ستجدين أن كل مرحلة تمر بها ابنتك تتطلب نوعًا جديدًا من التواصل بينكما، وطريقة جديدة تُمكنك من تربيتها تربية سليمة، ولهذا، فأنتِ بحاجة إلى فهم كل مرحلة عمرية تمر بها ابنتك، بدايةً من طفولتها المبكرة، حتى سن المراهقة لتتمكني من توفير الدعم المناسب لها بكل مرحلة.

مرحلة الطفولة المبكرة: بدايةً من سنتين حتى تربية البنات في سن السادسة

تبدأ هذه المرحلة من سن سنتين إلى 6 سنوات، وفيها تلاحظين ظهور سلوكيات جديدة على ابنتك؛ فتتسم هذه المرحلة بظهور عدة تغيرات نفسية واجتماعية على شخصيتها، أشارت إليها المدربة عفاف الجاسم في دورتها اسراري في تربية الأبناء، وهي ما يلي:

انفعالاتها تكون قوية ومتقلبة، وقد تكون مبالغًا فيها أحيانًا.
تظهر عليها مشاعر الخجل بهذه المرحلة.
يزداد شعورها بالخوف، وتتعلم الخوف مما يخافه الكبار من حولها.
تركز حبها على الوالدين، وتعتبرهما مركزًا للأمان.
يبدأ عليها ظهور سلوك العناد، وهو ما يعد إشارة لبداية الاستقلالية.

ومع أن هذه السمات ليست ثابتة، وتختلف من طفلة لأخرى بناءً على عدة عوامل مثل البيئة والتربية والتجارب الشخصية، إلا أن بكل الأحوال، هذه هي المرحلة التي يجب أن تبدئي فيها بتعليم قواعد التربية الإيجابية لابنتك، حتى تتمكني من بداية رحلة التربية معها بداية صحيحة، وتستطيعين تحقيق التوازن النفسي لها من بداية وعيها بما حولها واختلاف سلوكياتها.

قواعد التربية الإيجابية في تربية البنات

هناك عدة قواعد للتربية الإيجابية، تساعدكِ على بناء علاقة إيجابية مع ابنتك، وتعزيز نموها النفسي والعاطفي بهذه المرحلة الحيوية من حياتها، وهي ما أشارت إليها أيضًا المدربة عفاف الجاسم فيما يلي:

1- وضع قواعد قليلة وواضحة:

احرصي على أن تضعي لابنتك قواعد بسيطة ومحددة، بحيث يسهل عليها فهم هذه القواعد وتذكرها، ومعرفة الحدود التي يجب أن تلتزم بها في نفس الوقت.

2- التحدث في نفس مستوى عيني طفلتك:

عندما تتحدثين مع ابنتك، اجلسي أو انحني بحيث تكونين في نفس مستوى عينيها أثناء الحديث؛ هذا يسهم في جعل طفلتك تستمع إليكِ بتركيز واهتمام، ويعزز من التواصل بينكما.

3- خذي وقتك قبل رد الفعل:

لا تتصرفي بسرعة عند الرد أو التصرف في حالة مواجهة مشكلة، امنحي نفسك وقتًا للتفكير بكيفية التعامل مع الأمر بهدوء وبحكمة، حتى تتمكن ابنتك من التعلم من الموقف الذي مرت به.

4- قدمي بدائل:

عندما تلاحظين سلوكًا صدر منها غير مرغوب به، فعبري عن مشاعرك لطفلتك، وأخبريها عن سبب عدم رضاكِ عن هذا الأسلوب، ثم قدمي لها بدائل يمكنها استبدال هذا السلوك بها، بحيث تستطيع أن تتعرف على كيفية التصرف على نحو إيجابي.

وأقرب مثال على ذلك عندما تغضب ابنتك وتبدأ في الصراخ أو التحدث بحدة، في هذه الحالة، من الأفضل أن تُخبريها أن هذه ليست الطريقة المناسبة لتتواصلا معًا، وأن في حالة غضبها فيمكنها أن تأخذ نفسًا عميقًا، ثم تخبرك أنها بحاجة إلى بعض الوقت لتهدأ قبل أن تستكملا حديثكما.

5-وفري لها خيارات متعددة:

امنحي طفلتك بعض الحرية، عندما ترغبين في تشجيعها على اتخاذ قرار، قدمي لها بعض الخيارات الملائمة لعمرها بما يتناسب مع السلوك الذي ترغبين في رؤيته منها، هذا يُعزز من ثقتها بنفسها، ويشجعها على بداية اتخاذ القرارات.

6-تجنبي العقاب البدني وقت الغضب:

لا تدعي غضبك من ابنتك أو غضب أبيها منها يُترجم في شكل عقاب بدني أو تعنيف؛ فإلى جانب تأثيره سلبيًا على الثقة بينك وبين طفلتك، وعدم شعورها بالأمان عندما تكون حولكما فهو أيضًا لا يُعلمها أي شيء، استخدام الطرق الإيجابية كالحوار والتفاهم هو ما يمنحكِ القدرة على التواصل معها وتربيتها بالطريقة السليمة.

مرحلة الطفولة المتوسطة: من سن 6 إلى 11 سنة

يُشير د. هاني رمزي عوض في مقاله مرحلة الطفولة المتوسطة وعلاماتها المميزة إلى العلامات المميزة لهذه المرحلة من عمر ابنتك وهي:

تبدأ ابنتك بالتأثر بالبيئات المختلفة المحيطة بها، مثل أصدقاءها ومدرستها والأشخاص المحيطين بها.
ترغب في جذب التقدير من أهلها ومعلميها.
تهتم بمظهرها الخارجي، وترغب في الظهور على نحو لائق أمام من حولها.
تبدأ بفهم معنى السلوك القويم بشكل أكبر، والقواعد الأساسية للمجتمع الذي تعيش فيه.

وفي هذه المرحلة، تظهر الأهمية الملحة في تربية البنات بالحفاظ على التوازن النفسي لهن، فتعامُلها مع بيئات مختلفة وتكوينها لعلاقات اجتماعية أكثر يؤكد ضرورة توفير الدعم النفسي لها، وتقوية علاقتها مع والديها.

ونستدل على ذلك من كتاب د. جيمس دوبسون "بناتنا الصبايا كيف نربيهن" الذي يشير إلى أن نجاح أو إخفاق الأبناء بحياتهم يعتمد إلى حدٍ كبير على نوعية العلاقات التي كانت بينهم وبين والديهم في مرحلة الطفولة، ومدى التوازن النفسي الذي يملكونه، ولكن كيف تحافظين على التوازن النفسي لابنتك؟

كيفية تربية البنات بطريقة تحافظ على توازنهن النفسي:

الحفاظ على العلاقة المتوازنة بين الوالدين:

عندما تكون العلاقة بين الوالدين صحية ومستقرة، يسهم ذلك في خلق بيئة مستقرة وآمنة لابنتك، ويجعل ابنتك قادرة على تكوين علاقات صحية في مستقبلها وتقليل الشعور بالتوتر العائلي وتقليل رغبتها في الابتعاد عن أسرتها.

وتذكري أن ابنتك إذا اعتادت على أن علاقتكما مضطربة طوال الوقت، فهذا لن يجعلها قادرة على تكوين نظرة إيجابية عن العلاقات؛ كون علاقتكما هي مصدرها الأساسي والأول في ذلك.

توفير شعور مستمر بالاستقرار والأمان:

شعور الاستقرار العاطفي والأمان يمنح ابنتك القدرة على مواجهة التحديات اليومية المختلفة، ويرفع من مستوى ثقتها بنفسها، فتربية البنات في سن الثامنة بشكلٍ خاص تحتاج هذا الشعور؛ نظرًا لأنها تصبح قادرة أكثر على البدء في مواجهة يومها بمفردها.

الاستماع والتواصل المستمر:

من المهم بهذه المرحلة من تربية البنات أن تُشعري طفلتك بأنها مسموعة، وأن تمنحيها فرصة مستمرة في التعبير عن مشاعرها والتواصل معكِ من دون الخوف من رد فعلك.

توفير روتين ثابت:

في هذه المرحلة، يستفيد الأبناء من وجود روتين ثابت ومستقر يومي، سواء في أوقات النوم أو الدراسة أو الأنشطة العائلية، احرصي على جعل روتين ابنتك ثابت لتشعر بالأمان والتحكم في مجرى الأمور.

التشجيع والاعتراف بالإنجازات:

التقدير والإشادة تعزز من ثقة ابنتك بنفسها، وتحفز من قدرتها على تطوير مهاراتها والعمل عليها.

تربية البنات المراهقات: من سن 12 حتى 18 سنة

هذه هي أكثر الفترات تحديًا في حياة ابنتك، مُواجهتها للتغيرات الجسدية والعاطفية والاجتماعية تؤثر في سلوكها وعلاقتها بكِ وبمن حولها، تمتلك اهتمامات جديدة، وتتطلب علاقتكِ بها نوعًا جديدًا من التواصل.

تُشير جيزالا بروسكوف في كتابها "فن تربية البنات" أن خلال هذه المرحلة تبدأ الفتاة ببناء هويتها الشخصية، ومواجهة تحديات أخرى جديدة غير التي اعتادت عليها في الطفولة.

فخلال هذه المرحلة، تتزايد حساسيتها تجاه مظهرها وشخصيتها مقارنةً بقريناتها، ما قد يؤدي إلى تراجع ثقتها بنفسها إذا لم تتوافق مع معايير الجمال أو القبول الاجتماعي السائدة.

هذا الشعور بعدم الكفاية قد يجعلها تشعر بصعوبة في أن تكون شخصية مقبولة لدى من حولها، خصوصًا عندما تتعارض رغباتها مع القيم والمبادئ التي تحاولين غرسها فيها.

ولهذا فإن أكبر ضغط تواجهه ابنتك بهذه الفترة هو التغيرات التي تحدث لها، الجسدية منها أو العاطفية، ودوركِ بهذه الفترة أن تشجعيها على الحوار المفتوح، خاصةً إذا لاحظتي خجلها أو ارتباكها من هذه التغيرات، كوني مستمعة جيدة وقدمي لها الدعم العاطفي الذي تحتاجه وعلميها كيف تعتني بنفسها، وكيف تختار الملابس التي تٌشعرها بالراحة والثقة واجعلي الحوار بينكما مفتوحًا وطبيعيًا، تستطيع فيه مشاركة أفكارها دون خوف من ردة فعلك.

ففي هذه المرحلة خصوصًا تبرز أهمية الجمع بين الدعم والحزم في وقتٍ واحد، والتفرقة بين الرأفة والرحمة عندما تتعاملين معها، وقد أشار د. إبراهيم الخليفي في دورته إلى أهمية ذلك خلال هذه المرحلة من حياتها.

كيف تُفرقين بين الرأفة والرحمة في تربية البنات؟

يقول د. إبراهيم الخليفي بدورته فنيات تربية البنيات أن الرأفة والرحمة بينهما اختلاف كبير، وأن التوازن بينهما مطلوب، وأن زيادة نسبة أحدهما عن الآخر قد يكون مُفسدًا لابنتك.

الرأفة:

إن الرأفة في جوهرها هي التعامل مع ابنتك بلطف ولين في تربيتها، وهذا لا يضر؛ لكن تبدأ المشكلة في الظهور عند زيادتها؛ وهي ما تؤدي إلى تدليل مُفرط لابنتك، وتلبية جميع رغباتها دون توجيه حازم، وذلك من الممكن أن يؤدي إلى إفساد شخصيتها، وافتقارها لتعلم المسؤولية وعدم تحملها لعواقب ما تفعله.

فعلى سبيل المثال، عندما تُصر ابنتك على شراء لعبة جديدة بالرغم من أنها تملك العديد من الألعاب، وقد تكون لم تستخدم بعضها بعد، وتقومين بتلبية طلبها فورًا بدافع الرأفة والحرص على إسعادها، فإن ذلك قد يعزز لديها الاعتقاد بأنها ستحصل دائمًا على ما تريد دون اعتبار للظروف أو تقدير للأشياء التي تمتلكها.

الرحمة:

أما الرحمة فهي تُعتبر مزيجًا من اللطف والحزم لأن الرحمة هنا بمفهومها الواسع تعني ضرورة توجيه ابنتك نحو الصواب خوفًا عليها وعلى مستقبلها، وهو شيء فطري منكِ، أنت ترغبين في رؤية ابنتك في أفضل مكان تستحقه، هذا حقك، ولكن زيادة الرحمة في تربيتها يُنتج توجيه قاسٍ دون اللطف بكونها ما زالت تتعلم وبالتالي تكرر ابنتك أخطائها.

فعلى سبيل المثال إذا طلبت ابنتك تناول الحلوى قبل وجبة الغداء بدافع حبها لها، يمكنكِ برفق أن توضحي لها أن الحلوى ستُقدَّم بعد أن تنتهي من وجبتها الأساسية، لأن هذا أفضل لصحتها، هنا تظهر الرحمة في تفهمك لرغبتها وحبك لها، وكذلك الحزم في الحفاظ على مصلحتها وتوجيهها نحو السلوك الصحيح.

وهنا تظهر أهمية الجمع بين استخدام الرأفة والرحمة في تربية ابنتك، لماذا؟

لأن الإفراط في الرأفة فيجعلها تتساهل ولا تنتبه لحقيقة أنها بحاجة إلى التصرف وفق السلوك القويم الذي تربيها عليه، ولهذا فتربية البنات المراهقات على وجهٍ خاص يحتاج الجمع والتوازن بينهما، حتى تتمكني من مساعدة ابنتك على أن تصبح ناضجة، قادرة على تحمل المسؤولية، وتستطيع التمييز جيدًا بين ما هو صواب وما هو خطأ في الوقت نفسه.